شبكة الأحواز – عربي 21 :
الهجوم المسلح الذي وقع أمس على عناصر الحرس الثوري الإيراني في احتفال عسكري بالأحواز في إيران أعاد التذكير بمحنة الشعب العربي في تلك المنطقة التي يفرض الإيرانيون عليها ستائر التعتيم والظلام كي لا تصل صرخات شعبها المستباح إلى العالم الخارجي، أتت الحادثة لكي تفرض على وسائل الإعلام عرض خلفيات عن تاريخ المنطقة المنسي عمدا، ومشكلاتها السياسية والثقافية واللغوية، وعن أسباب تلك الانتفاضات المتتالية لشعبها ضد السلطات المركزية الإيرانية.
الأحواز إمارة عربية ضخمة، تعادل ـ تقريبا ـ مساحة دول الخليج كاملة باستثناء المملكة العربية السعودية، على الجانب الآخر ـ الشرقي ـ من الخليج العربي من أول مضيق هرمز في الجنوب وصولا إلى جنوب العراق الشرقي، وكان لها تاريخ كبير سياسيا وعسكريا وعلميا وأدبيا ودينيا على مدار مئات السنين منذ الفتح الإسلامي للمنطقة وحتى بداية القرن العشرين، وكانت ـ وما زالت ـ تقيم فيها عشائر وقبائل عربية، من تميم وبني كعب وغيرهم، وهي البلاد التي أخرجت للعربية والعروبة أبرز علماء اللغة وأدباء العربية، منهم : عبد الله ابن المقفع، وابن السكيت، وأبو نواس الشاعر، وسيبويه أبو النحو العربي، وأبو الحسن الرامهرمزي، وأبو علي العسكري وأبو هلال العسكري وكلاهما من أئمة اللغة العربية، وسهل بن عبد الله التستري الصوفي المشهور، والمئات من العلماء والرموز الذين أثروا لغة العرب وكانت لهم بصمتهم الواضحة في علوم الدين واللغة والتصوف والشعر والفن.
الأحواز ظلت إمارة عربية حتى العام 1925، حين تواطأ الإنجليز مع الشاه ليمكنوه من السيطرة على تلك الإمارة العربية الكبيرة، والتي كانت لها صولات عسكرية يخشى بأسها، وشاركت في الحرب العالمية الأولى، وفي أعقاب احتلالها من قبل الدولة الفارسية قامت ثورات عديدة سجلها التاريخ، تدافع عن استقلالها وعن الهوية العربية للبلاد، قابلتها السلطات الإيرانية دائما بالقمع المروع والاعتقالات والإعدامات الجماعية المستمرة حتى اليوم، كما قامت بجهود من أجل إعادة تشكيل “ديموجرافية” الأحواز، بنقل عدد من سكانها إلى مناطق أخرى، وإحلال مواطنين فرس إليها، ولكن العملية فشلت، نظرا لكثافة الوجود العربي في الأحواز والذي يقدر بحوالي ثمانية ملايين إنسان، فاستبدلت السلطات الإيرانية ذلك بمحاولة محو اللغة العربية وفرض الفارسية كلغة تعليم وحيدة، ومحاربة أي محاولة لتدريس العربية أو إحياء الثقافة العربية في المنطقة.
أفهم أن تدير دول أوربية كثيرة ظهرها لآلام عرب الأحواز، ولكني لا أفهم أن يدير “القوميون العرب” ظهرهم لها، وأستغرب صمت التيارات القومية والناصرية التي تمتطي صهوة الحديث باسم العروبة والقومية العربية، صمتهم المزري تجاه عرب الأحواز ومحنتهم، بل إن كثيرا من التيارات القومية والناصرية لا تخفي انحيازها لإيران وسياساتها ومشاريعها في المنطقة، وعندما وقعت الحرب العراقية الإيرانية كان القوميون العرب السوريون في حزب البعث “العربي” يقفون مع إيران الفارسية ضد العراق العربي، وعندما وقعت ثورة سوريا وقف القوميون العرب مع “إيران الفارسية” ووكلائها ضد الشعب “العربي” في سوريا، وها هم يبيعون “العروبة” في الأحواز، خشية أن يغضبوا حلفاءهم “الفرس”.
أتمنى أن تحظى قضية العرب الأحواز باهتمام الأحزاب العربية، والمنظمات الحقوقية العربية أيضا، من باب الحق الأصيل في الحرية والحفاظ على هوية شعب قوامه ملايين البشر، لهم حضارتهم وتاريخهم وثقافتهم ولغتهم ودينهم، وليس من باب النكاية في دولة، فأهلنا في الأحواز يستحقون أن نتذكرهم دائما، وأن نعالج تقصيرنا الماضي معهم بالعمل على دعمهم السياسي والإعلامي والإنساني في المرحلة المقبلة.